البصيرة
من الخصائص الفكرية والعملية لأنصار الإمام الحسين في ثورة الطف هي البصيرة وصواب الرأي. ورد وصف ((أهل البصائر)) في النصوص الدينية والمعارف الإسلامية إشارة لأصحاب القلوب الحيّة والمعرفة العميقة للحقّ والباطل، وللإمام والحجّة الإلهية، وللطريق والمنهج، والعدو والصديق، والمؤمن والمنافق.
أصحاب البصيرة لهم رؤيا صائبة، يضعون أقدامهم على الطريق بوعي ونباهة واختيار ولجميع أعمالهم ومواقفهم جذور اعتقاديه وأُسس دينية، وجميع مواقفهم مبدئية لا انتهازية ولا نفعية، وليست منبثقة من التعصب القومي والجاهلي، وهم لا يُستثارون بالدعايات الباطلة الخدّاعة، ولا يستجيبون لسلطان القهر.
يرى أهل البصيرة طريقهم بوضوح بلا أي لبس أو إبهام، وهم على ثقة ببطلان ادعاء عدّوهم، لا يبيعون أنفسهم لعوامل الإغراء ولا الإرهاب، ولا يتخلّون عن معتقدهم وجهادهم، ولسيوفهم وجهادهم عمق عقائدي. وهم كما قال علي عليه السلام: ((حملوا بصائرهم على أسيافهم))(نهج البلاغة، صبحي الصالح، الخطبة150).
أمثال هؤلاء الوعاة العارفين حاربوا إلى جانب الإمام علي عليه السلام ضد معاوية، ودافعوا في كل الأحوال عن الإمام الحسن عليه السلام، وفي يوم الطف بذلوا أرواحهم فداءً للحسين ودفاعا عن القرآن. وهذا ما يتضح جليّا من خلال كلماتهم ورجزهم وأقوالهم. كانوا يعتبرون الإمام الحسين إماماً واجب النصرة ولا بدّ من بذل النفس لأجله، ويعدّون أعداءه كافرة قلوبهم، ودأبهم النفاق، وللجهاد ضدهم أجر كأجر مجاهدة المشركين. وأحاديث الحسين، والإمام السجاد، وأبي الفضل، وعلي الأكبر وسائر شبان بني هاشم وأنصار الإمام الحسين تدلّ على عمق بصيرتهم.
وصف الإمام الصادق أبا الفضل العباس بصفة ((نافذ البصيرة)) وهو ما يعكس عمق رؤياه و ثبات إيمانه في مناصرة سيد الشهداء وذلك قوله فيه: (( كان عمّنا العباس بن عليّ نافذ البصيرة صلب الإيمان)) (أعيان الشيعة 430:7.) وجاء في زيارة أبي الفضل العباس ((وأنك مضيت على بصيرة من أمرك مُقتديا بالصالحين)).
وكذلك قول علي الأكبر لأبيه: ((أَوَ لسنا على الحقّ؟)) هو قول معروف.
وفي مقابل ذلك كان أفراد الجهة المقابلة عُمي القلوب، ومغرورين، ولا هدف لهم، وقد وقعوا ضحية للدعايات الأموية التي أعمت أبصارهم، وكان الطعام الحرام سببا في أن تمتلئ آذانهم وقراً.