مكانته العلمية
تميز عصر الامام الصادق عليه السلام بأنه عصر النمو والتفاعل العلمي والحضاري بين الثقافة والتفكير الاسلامي من جهة, وبين ثقافات الشعوب ومعارف الامم وعقائدها من جهة اخرى. ففي عصره نمت الترجمة, ونقلت كثير من العلوم والمعارف والفلسفات من لغات أجنبية الى اللغة العربية, وبدأ المسلمون يستقبلون هذه العلوم والمعارف وينقحّونها أو يضيفون إليها, ويعمقون اصولها, ويوسعون دائرتها. فنشأت في المجتمع الاسلامي حركة علمية و فكرية نشطة. وسط هذه الاجواء والتيارات والمذاهب والنشاط العلمي والثقافي, عاش الامام الصادق عليه السلام ومارس مهماته ومسؤولياته العلمية والعقائدية كامام واستاذ, وعالم فذّ لا يدانيه احد من العلماء, ولا ينافسه استاذ أو صاحب معرفة, فقد كان قمة شامخة ومجدا فريدا فجّر ينابيع المعرفة, وافاض العلوم والمعارف على علماء عصره واساتذة زمانه فكانت اساسا وقاعدة علمية وعقائدية متينة ثبت عليها البناء الاسلامي, و اتسعت من حولها آفاقه ومداراته. وقد اشتهر الامام الصادق عليه السلام بغزارة العلوم ولا سيما في الطب والكيمياء وخلف آثارا عجيبة من ذلك(طب الصادق) و(اماليه). هذا بالاضافة الى علم الكلام والفقه والحديث و قد روي جابر بن حيان الكيمياوي العربي الشهير الشيء الكثير من الآراء الكيمياوية في مؤلفاته عن الامام جعفر الصادق عليه السلام. وفي (حليه الاولياء) لابي نعيم بعد ما جاء باسماء اعلام الاسلام روايتهم عنه قال, واخرج عنه مسلم في صحيحه محتجا بحديثه, وكان مالك بن انس اذا حدث عنه قال "حدثني الثقة بعينه" و"ما رأت عين, و لا سمعت أذن, ولا خطر على قلب بشر, أفضل من جعفر الصادق, فضلاً وعلماً وعبادةً وورعاً".
مدرسته
أن الامام الصادق عليه السلام هو استاذ العلماء وامام الفقهاء وهو امام عصره كما هو امام العصور واستاذ الاجيال. و قد انصرف هو وابوه الباقر عليه السلام لانشاء مدرسة أهل البيت العلمية في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله في المدينة المنورة, ثم استمر في تنمية هذه الجامعة العلمية ومواصلة حماية الشريعة, والدفاع عن عقيدة التوحيد بعد ابيه الباقر عليه السلام, وقد تخرج على يده جيل من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والفلاسفة وعلماء الطبيعة...الخ ذكرتهم كتب الرجال وملأت آثارهم آفاق العلم والمعرفة فبهدي الامام الصادق عليه السلام وهدي آبائه الكرام وابنائه من بعده من أهل بيت النبوة اهتدى المسلمون وشخصوا جادة الصواب الدالة على الشريعة ونقائها. وقد نشأت في عهد الامام الصادق عليه السلام فرق ومذاهب فقهية واعتقادية كثيرة, كان موقف الامام الصادق عليه السلام منها هو التسديد والحوار العلمي والنقد الشرعي النزيه. والذي يتابع منهج الامام, ومهمته العملية يكتشف ان الامام كان يستهدف بعمله ومدرسته الاهداف الاتية:
اولاً: حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية والالحادية والمقولات التي لا تنسجم وعقيدة التوحيد التي نشأت كتيار كونته الفرق الكلامية والمدارس الفلسفية الشاذة, لذا انصبت جهود الامام عليه السلام على الحفاظ على اصالة عقيدة التوحيد ونقاء مفهومها, وايضاح جزئياتها وتفسير مضامينها وتصحيح الافكار والمعتقدات في ضوئها ولذا فقد درب تلامذته امثال هشام بن الحكم على الكلام والجدل والمناظرة والفلسفة ليقوموا بالدفاع عن عقيدة التوحيد وحمايتها من المعتقدات الضالة, كما الجبر والتفويض والتجسيم والغلو وامثالها من الاراء والمعتقدات الشاذة عن عقيدة التوحيد.
ثانياً: نشر الإسلام اما الهدف الثاني لمدرسة الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وجهوده فهو نشر الإسلام وتوسيع دائرة الفقه والتشريع, وتثبيت معالمها وحفظ اصالتها, إذ لم يُرو عن احدٍ من الحديث ولم يُؤخذ عن امام من الفقه والاحكام ما أًخذا عنه, اساسا وقاعدة لاستنباط الاحكام لدى العلماء والفقهاء والسائرين على نهجه والملتزمين بمدرسته والمنتسبين الى مذهبه الذي سُمي باسمه (المذهب الجعفري).