أبوذر الغفاري(رضوان الله عليه)
الصحابي الجليل جُندَب بن جُنادة الّذي ذاع صيته بسبب شخصيّته الخاصّة ومناهضته عثمان ومعاوية. وذُكر أيضاً أنّ اسمه بُرَيْر، بَيد أنّ البعض رأى أنّ ذلك هو لقبه. ونسبه المعلوم إلى عدنان يعضد انتماءه إلى قبيلة بني غِفار، وكانت أمّه رملة من هذه القبيلة أيضاً.
ولا يقدّم لنا المؤرّخون معلومات عن تاريخ ولادته، لكنّهم لمّا ذكروا أنّه توفّي وهو شيخ كبير، فلابدّ أنّه كان قد عمّر طويلاً قبل الإسلام. وذهبوا إلى أنّه كان في ثُلّة الأوائل الّذين آمنوا بالإسلام، وعدّوه رابعَ أو خامس من أسلم. قَدِمَ المدينة سنة 6هـ، فأسكنه النّبيّ صلّى الله عليه وآله في المسجد مع عِدّةٍ من المسلمين الفقراء، وهؤلاء هم المشهورون بأصحاب الصُّفَّة.
وكان أبو ذرّ من خاصّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وحواريّيه في المدينة كما كان مكيناً عنده. وعندما انتقل صلّى الله عليه وآله إلى جوار ربّه واستُخلف أبو بكر سنة (11هـ)، كان أبو ذرّ في الصّفوة الّتي أقبلت على أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، رافضاً بيعة أبي بكر، ثمّ بايعه مُكْرَهاً. وبلغ في القُرب من الإمام عليه السّلام درجةً أنّه كان معه في الخاصّة من أصحابه عند تشييع السّيّدة فاطمة الزّهراء عليها السّلام ودفنها.
وقد شهد أبوذرّ عدداً من الغزوات مثل غزوة الغابة، كما شهد سَرِيّة قرب المدينة. وخَلَفَ النّبيَّ صلّى الله عليه وآله على المدينة في غزوة بني المصطلق، وعُمرة النّبيّ صلّى الله عليه وآله سنة (7هـ) فاضطلع بأعمالها. ورفع لواء بني غفار، وهم ثلاثمائة، في فتح مكّة ومرّ به على أبي سفيان.
وساءه ما رأى من ممارسات عثمان في المدينة، وعامله معاوية في دمشق مِن مثل محاباته قُرباه بالأعمال المهمّة، ودفعه الأموال الطّائلة، وكنز الثّروات، والتّبذير والإسراف، وانتهاك السُّنّة النّبويّة، فامتعض منهما وغضب عليهما. وكان يقف إلى جانب أمير المؤمنين عليه السّلام وأهل البيت عليهم السّلام وصمد في معارضته للحاكمين على رغم محاولات معاوية في ترغيبه في الدنيا وتطميعه.
وطلب عثمان من معاوية أن يُرجِع أبا ذرّ إلى المدينة بُعنف. فأركبه على جمل بلا غطاء ولا وطاء، ولمّا دخل المدينة منهَكاً متعَباً حاول عثمان أن يسترضيه بشيءٍ من المال، فرفض ذلك وواصل انتقاده للنظام الحاكم والأسرة الأمويّة، فغضب عثمان وأمر بنفيه إلى الرَّبَذة ليُبعده عن النّاس.
ولمّا تحرّك متوجّهاً إلى الرّبذة شايعه أمير المؤمنين عليه السّلام وبعض مقرّبيه على الرّغم من الحظر الّذي فرضه عثمان. وتكلّم الإمام عليه السّلام عند توديعه كلاماً بليغاً أثنى فيه على أبي ذرّ، وذمّ عثمان وأعوانه. وموقف الإمام عليه السّلام هذا في مشايعة أبي ذرّ ودعمه أدّى إلى مواجهة شديدة بينه وبين عثمان.
توجّه أبوذرّ إلى الرّبذة مع زوجته وبنته. وأقام هناك ومعه بعض الغلمان وعدد من الأغنام والجمال و توفي رضوان الله عليه في منفاه سنة 31أو32 هـ. ومع أنّ أحداً لايشكّ في أنّه دُفن في الرّبذة، إلاّ أنّ وجود قبرٍ له في اسطنبول باعث على العجب!
يتمتّع هذا الصّحابيّ الجليل بمنزلة رفيعة مرموقة خاصّة بين الإماميّة، ويسمّونه والثلاثة الآخرين معه (سلمان والمقداد وعمّار) الّذين ثبتوا على ولائهم للإمام أميرالمؤمنين عليه السّلام بعد النّبيّ صلّى الله عليه وآله بـ«الأركان الأربعة».
وتدلّ الرّوايات المأثورة عن الأئمّة المعصومين عليهم السّلام في أبي ذرّ على أنّهم كانوا ينظرون إليه كرجلٍ زاهد كامل، وقوله وعمله أسوة للشّيعة، وكانوا عليهم السّلام يحدّثون شيعتهم دائماً بسيرته ومواعظه.
وحريٌّ بالذّكر أنّ نصّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله على صدقه في الحديث المتواتر المشهور «ما أظلّت الخضراء وما أقلّت الغبراء أصدَق لهجةً من أبي ذرّ» (الاختصاص، للمفيد ص 13) دفع علماء الشّيعة والسّنّة إلى الثّناء عليه و تمجيده.