السّماوات السّبع
كلمة «سماء» تشير إلى جهة عليا، ولها مفهوم واسع ذو مصاديق مختلفة. ولذلك كان لها استعمالات عديدة في القرآن الكريم:
1 ـ أطلقت أحياناً على «الجهة العليا» المجاورة للأرض كقوله تعالى: (أَلَمْ يتَرَكَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَ كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَة طَيِّبَة أصلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ).
2 ـ وعنى بها القرآن تارة المنطقة البعيدة عن سطح الأرض: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً).
3 ـ عبّر القرآن بها في موضع آخر عن (الغلاف الجوي) المحيط بالأرض: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً). لأن هذا الغلاف يقي الكرة الأرضية من الصخور يالسماوية (النيازك) التي تتجه إلى الأرض لي ونهاراً بفعل جاذبية الأرض، لكن اصطدام هذه الصخور بجوّ الأرض يؤدي إلى اشتعالها ومن ثم تحوّلها إلى رماد.
4 ـ وأراد القرآن بالسماء في موضع آخر (الكرات العليا): (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ).
نعود الآن إلى «السماوات السبع» لنرى ما المقصود من هذا العدد. تعددت آراء المفسرين والعلماء المسلمين في ذلك.
1 ـ منهم من قال إنها السّيارات السّبع في اصطلاح الفلكيين القدماء: أي عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل والقمر والشمس.
2 ـ ومنهم من قال إن المقصود بها هو الطبقات المتراكمة للغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية.
3 ـ ومنهم من قال إن العدد (سبعة) لا يراد به هذا العدد المعروف، بل يراد به الكثرة، أي أن معنى «السماوات السبع» هو السماوات والكرات الكثيرة في الكون.
ولهذا نظير في كلام العرب وفي القرآن، كقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَة أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ).
وواضح أن المقصود بالسبعة في هذه الآية ليس العدد المعروف، لأن علم الله لا ينتهي حتى ولو أن البحر يمده من بعده الآلاف المؤلفة من الأبحر.
4 ـ الأصح في رأينا أن المقصود بالسماوات السبع، هو وجود سبع سماوات بهذا العدد. وتكرر هذه العبارة في آيات الذكر الحكيم يدل على أن العدد المذكور في هذا الآيات لا يعني الكثرة، بل يعني العدد الخاص بالذات.
ويستفاد من آيات اُخرى أن كل الكرات والسيّارات المشهودة هي جزء من السماء الاُولى، وثمة ستة عوالم اُخرى خارجة عن نطاق رؤيتنا ووسائلنا العلمية اليوم. وهذه العوالم السبعة هي التي عبّر عنها القرآن بالسماوات السبع.
يقول تعالى: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابيحَ)
ويقول أيضاً: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَة الْكَوَاكِبِ)
ويتضح من هاتين الآيتين أن ما نراه وما يتكون منه عالم الأفلاك هو جزء من السماء الاُولى، وما وراء هذه السماء ست سماوات اُخرى ليس لدينا اليوم معلومات عن تفاصيلها.
نحن نرى اليوم أنه كلما تقدمت العلوم الناقصة للبشر اكتشفت عجائب ومجاهيل عظيمة. علم الفلك تقدّم إلى مرحلة بعيدة جداً في الرصد عن طريق التلسكوبات، ثم توقفت قدرة الرؤية إلى أكثر من ذلك.
أبعد ما اكتشفته دوائر الأرصاد الفلكي العالمية حتى الآن مسافة في الكون تعادل ألف مليون (مليار) سنة ضوئية. والراصدون يعترفون أن أقصى ما اكتشفوه هو بداية الكون لا نهايته. وما يدريك أن العلم سيكتشف في المستقبل سماوات وعوامل اُخرى!