العلة من الجمع بين الضحى والانشراح في القراءة
سماحة الشيخ محمد صنقور
المسألة:
ما هي العلة التي جعلت سورتي الفيل وقريش بحكم سورة واحدة؟ وسورة الضحى والانشراح بحكم سورة واحدة؟
الجواب:
لم يختلف فقهاء الامامية رضوان الله تعالى عليهم في عدم صحة الاكتفاء بقراءة الضحى دون الانشراح في ركعة واحدة من الفريضة، وكذلك الاكتفاء بقراءة ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ﴾ دون (الايلاف) وأما منشأ ذلك فهو إما لانَّ الضحى والانشراح سورة واحدة حقيقة وكذلك الفيل والايلاف (قريش) أو لانَّ الضحى والانشراح بحكم السورة الواحدة تعبداً وان كانتا سورتين واقعاً وكذلك الفيل وقريش فإنهما سورتان واقعاً ولكنهما بحكم السورتين تعبُّداً .
والمراد من أنهما بحكم السورة الواحدة تعبُّداً هو انَّ المشرِّع اعتبر الجمع بين السورتين واجباً في الفريضة لملاكٍ عنده إلا انه غير مُدرَك عندنا، وان كان من المحتمل هو اتحاد موضوع سورتي الضحى والانشراح وسورتي الفيل وقريش.
أما المبنى الأول: فذهب إليه مشهور المتقدمين من فقهاء الامامية، فقد ذهب للقول بكون الضحى والانشراح سورة واحدة واقعاً وكذلك الفيل وقريش كلٌ من الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي وابن ادريس الحلِّي وغيرهم وادعى بعضهم الاجماع على ذلك.
ولعلَّ منشأ ذلك هو ما ورد عن أهل البيت (ع) في عدةٍ من الروايات:
منها: ما رواه الصدوق في كتاب الهداية مرسلاً عن الصادق (ع) في حديثٍ قال فيه: "وموسَّع عليك أيَّ سورة قرأت في فرائضك إلا أربع وهي الضحى وألم نشرح في ركعةٍ لانهما جميعاً سورة واحدة، ولإيلاف وألم تر كيف في ركعةٍ لانَّهما سورة واحدة..".
ومنها: ما رواه الطبرسي في مجمع البيان قال: "روى أصحابنا انَّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة وكذا سورة ألم تر كيف ولإيلاف قريش".
ومنها: ما رواه العياشي عن أبي العباس عن أحدهما قال: ألم تر كيف فعل ربك ولإيلاف قريش سورة واحدة.
وأما المبنى الثاني والذي ذهب إليه مشهور المتأخرين ولعلَّ أولهم كان المحقق الحلِّي في المعتبر كما أفاد ذلك صاحب الحدائق فمستندهم فيما ذهبوا إليه هو انَّ ما يُمكن ان يكون مستنداً للاتحاد لا يصح التعويل عليه، ذلك لانَّ الظاهر هو انَّ مستندهم هو الروايات المذكورة وهي ضعيفة السند. وكذلك دعوى الإجماع فانها غير مقبولة نظراً لإحراز مدركيته ولا أقل من احتمال المدركية، أي إنَّ الإجماع عندما يكون مَدركه ومُستنده محرزاً أو محتملاً فإنه لا يكون تعبُّديَّاً، فلا يكون حجة حتى بناء على القول بحجيَّة الإجماع، ولأنَّ من المُحرَز أو المُحتمل هو انَّ مدرك الإجماع المدَّعى عند المتقدمين هو الروايات فلا يكون لهذا الإجماع حجية بل يلزم الرجوع لنفس المدرك وهي الروايات، وباعتبار ضعفها تكون فاقدة للحجية، وبذلك يسقط الدليل الذي استند اليه مشهور المتقدمين على الاتحاد وذلك وحده كاف لإثبات التعدد.
ويمكن انْ نستدلَّ لمشهور المتأخرين مضافاً إلى دعوى عدم الدليل على الاتحاد بروايتين:
الأولى: رواية زيد الشحام قال: "صلَّى بنا أبو عبدا لله (ع) فقرأ في الأولى (والضحى) وفي الثانية (الم نشرح لك صدرك)".
الثانية: رواية مفضل بن صالح عن أبي عبدا لله (ع) قال: سمعته يقول" "لا تجمع بين سورتين في ركعةٍ واحدة إلا الضحى والم نشرح، وألم تر كيف ولإيلاف قريش".
أما تقريب الاستدلال بالرواية الأول فهو انه لو كانت الضحى والانشراح سورة واحدة لقرأهما الإمام في ركعة واحدة، وذلك لوجوب قراءة سورةً كاملة في كلِّ ركعة، فقراءةُ الإمام (ع) والضحى في الركعة الأولى والانشراح في الركعة الثانية دليل على انَّ الضحى سورة مستقلة وكذلك الانشراح.
وأما تقريب الاستدلال بالرواية الثانية فهو انَّ الاستثناء ظاهر في الاتصال، فقوله لا تجمع بين سورتين إلا الضحى وألم نشرح ظاهر في انَّ الضحى وألم نشرح سورتان، غايته انَّه يجب الجمع بينهما في سورةٍ واحدة على سبيل الاستثناء من حكم القراءة لبقية السور.
وبتعبير آخر: لو كانت الضحى والانشراح سورة واحدة لكان الاستثناء منقطعاً وهو خلاف الظاهر.
إلا انَّ شيئاً مما أفاده مشهور المتأخرين انتصاراً لدعوى التعدُّد وعدم الاتحاد لا يصلح لاثبات التعدُّد وعدم الاتحاد، وذلك لانَّه لو سلمنا انَّ الروايات المقتضية للاتحاد ساقطة عن الحجيَّة وإنَّ الاجماع ساقط أيضاً عن الحجية فإن ذلك وحده لا يُنتج التعدُّد، فليس ثمة من أصلٍ أو قاعدة تقتضي التعدُّد لمجرَّد تصدير الآيات بالبسملة.
وأما الروايتان فالأولى لا تعدو كونها فعلاً للمعصوم (ع) وهو لا يقتضي أكثر من الدلالة على صحة القراءة للضحى وحدها في ركعة والانشراح وحدها في ركعة، أما انَّهما سورتان فذلك ما لا يقتضيه فعل المعصوم (ع) ودعوى انه لا يصحُّ التبعيض للسورة في قراءة الفريضة لا يقتضي إثبات انَّ الضحى سورةٌ مستقلة، وذلك لإمكانية دعوى انَّ هذه الرواية من أدلة جواز التبعيض للسورة في قراءة الفريضة، فكما يُمكن ان تكون قراءة الإمام للضحى في ركعة ناشئاً عن كونها سورة مستقلة يمكن ان يكون ذلك ناشئاً عن جواز التبعيض للسورة في قراءة الفريضة.
على ان زيد الشحام قد رُويت عنه رواية معتبرة سندا ًقال: صلَّى بنا أبو عبد الله (ع) الفجر، فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة.
فهذه الرواية مختلفة عن روايته التي استند إليها المشهور، ولا يبعد أنَّهما رواية واحدة لاستبعاد انه يحكى عن واقعتين دون ان يُشير في إحداهما لذلك، وحينئذِ تسقط كلا الروايتين عن الحجيَّة من جهة إثبات التعدُّد لاحتمال انَّ ما رواه واقعاً هي الرواية المختلفة عن التي استند اليها المشهور والتي أفادت ان الإمام قرأ كلاً من الضحى والانشراح في ركعة واحدة.
وأما رواية المفضل فمضافاً إلى ضعفها سنداً فإنَّها غير ظاهرة في التعدُّد، وذلك لانَّ الاستثناء وانْ كان ظاهراً في الاتصال إلا انه يكفي لتصحيح الاستثناء انَّهما سورتان في المرتكز العرفي أو قل لانهما في صورة السورتين لانهما مصدَّرتان بالبسملة في المصحف الشريف.
فالإمام كان بصدد بيان حكم القراءة لهما في الفرائض، فهي لا تدل على التعدُّد ولا على الاتحاد. وأقصى ما تدلُّ عليه هو لزوم الجمع بين الضحى والانشراح في ركعة واحدة. وأما إطلاق عنوان السورتين على الضحى والانشراح بقرينة ظهور الاستثناء في الاتصال فهو لا يُعبِّر عن كونهما سورتين مستقلتين لانَّ المصحِّح لإطلاق عنوان السورتين عليهما هو أحد أمرين، الأول انَّهما سورتان مستقلتان واقعاً، والثاني انَّهما سورتان صورةً وبحسب المرتكز العرفي، ولمَّا كان كلا الأمرين مصحِّحاً لإطلاق عنوان السورتين عليهما فحينئذِ لا يصحُّ استظهار أحدهما، فهي إذن مجملة من هذه الجهة ولا دلالة لها على التعدُّد ولا على الاتحاد، نعم هي لا تخلو من إشعار بالاتحاد نظراً لاستبعاد ان يكون للحكم بلزوم الجمع منشأٌ آخر غير كونهما سورة واحدة، ويتقوَّى هذا الإشعار بالروايات المتعدِّدة التي أفادت انهما سورة واحدة.
بل يمكن ان ندَّعي انَّ مجموع الروايات والتي هي ليست قليلة والصريحة في الاتحاد يُورث الاطمئنان بصحة ما ذهب اليه مشهور المتقدمين إذا ضممنا إلى هذه الروايات دعاوي الإجماع الكثيرة والصادرة من أعلام المتقدمين خصوصاً وانَّ لغة دعوى الإجماع تعبِّر عن حالةٍ من التسالم حيث أفاد الشيخ الطوسي مثلاً ان هاتين السورتين –الضحى والانشراح- سورة واحدة عند آل محمد (ص)، وأفاد الشيخ الصدوق في الامالي "ان من دين الامامية الإقرار بذلك".
وأما انَّ هذا الإجماع مدركيٌّ أو محتمِلٌ للمدركية فهو صحيح إلا انَّه يُقال: إنَّ هذا الإجماع ان كان مدركه هذه الروايات التي نقلنا بعضها فهو جابر لضعفها السندي فتكون هي المعوَّل عليه لاثبات الاتحاد لانَّ هذا الإجماع على أقل تقدير يكشف بناء على هذا الفرض عن اشتهار العمل بهذه الروايات بين المتقدِّمين واشتهار العمل برواية بين المتقدمين موجب لحجيَّتها وجابرٌ لضعفها السندي.
وإنْ لم تكن هي المَدرَك فلا يخلو إما ان يكون المدرك روايةً معتبرة أو روايةً ضعيفة أو إجماعاًَ تلقَّوه من أصحاب المعصومين (ع) ولا يمكن ان يكون إجماعهم نشأ عن غير ذلك، فالعقل أو الاعتبارات الظنية لا تحور في مثل هذه المسألة.
فلو كان المنشأ هو رواية معتبرة سنداً فإنَّ ذلك كاف لإثبات الاتحاد، ولو كان المنشأ للإجماع هو رواية ضعيفة فلا يضرُّ ضعفها لانجباره بعملهم، ولو كان المنشأ هو التلقِّي عن إجماع أصحاب الأئمة (ع) فهو حجة أيضاً لأنَّ من المقطوع به انَّ مأخذ إجماعهم هو المعصومون (ع).
وأما احتمال انَّ مدرك إجماعهم هو رواية ظاهرة بنظرهم في الاتحاد إلا انَّها قد لا تكون ظاهرة في ذلك لو اطلَّعنا عليها فهذا الاحتمال بعيدٌ غايته، إذ انَّ توافقهم على هذا الاستظهار يُعبِّر عن الظهور الواقعي في الاتحاد فمن البعيد ان يتمَّ التوافق وبهذا المستوى من الاطمئنان ويكون منشأه رواية لا ظهور لها واقعاً في الاتحاد. خصوصاً وان المسألة ليست من المسائل التي تحتاج الى المزيد من التحليل والتنظير.
فالمتحصَّل ممن ذكرناه انَّ الصحيح هو ما ذهب إليه المتقدمون من أعلام الطائفة رضوان الله عليهم وانَّ الضحى والانشراح سورة واحدة، وإنَّ ألم تر كيف ولإيلاف قريش سورة واحدة.
وعلى أي حال فإن النتيجة العملية واحدة من جهة لزوم قراء الضحى والانشراح معاً في ركعة واحدة، وكذلك الم تر كيف ولإيلاف قريش