(وفاته صلوات الله عليه والرد على من ينكرها) *
1 ـ ك: أبي وابن الوليد معا عن سعد بن عبدالله قال: حدثنا من حضر موت الحسن بن علي بن محمد العسكري ودفنه ممن لايوقف على إحصاء عددهم، ولايجوز على مثلهم التواطئ بالكذب.
وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) بثمانية عشر سنة أو أكثر مجلس أحمد بن عبيدالله ابن خاقان، وهو عامل السلطان يومئذ على الخراج والضياع بكورة قم، وكان من أنصب خلق الله وأشد هم عداوة لهم.
فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسر من رأى، ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السلطان، فقال أحمد بن عبيدالله: ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ولاسمعت به في هديه وسكونه، وعفافه، ونبله، وكرمه، عند أهل بيته، والسلطان وجميع بني هاشم، و تقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر، وكذلك القواد والوزراء والكتاب وعوام الناس.
وإني كنت قائما ذات يوم على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس، إذ دخل عليه حجابه فقالوا له: ابن الرضا على الباب فقال بصوت عال: ائذنوا له فدخل.
===============
( 326 )
رجل أسمر أعين حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، حدث السن، له جلالة وهيبة.
فلما نظر إليه أبي قام فمشى إليه خطوات ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم، ولا بالقواد ولا بأولياء العهد، فلما دنامنه عانقه وقبل وجهه، ومنكبيه، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه وجلس إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه وجعل يكلمه ويكنيه ويفديه بنفسه وأبويه، وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل عليه الحجاب فقالوا: الموفق قد جاء (1).
وكان الموفق إذا جاء ودخل على أبي تقدم حجابه وخاصة قواده، فقاموا بين مجلس أبي وبين الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلا عليه يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة فقال حينئذ: إذا شئت فقم جعلني الله فداك يا أبا محمد ثم قال لغلمانه: خذوا به خلف السماطين لئلا يراه الامير يعني الموفق وقام أبي فعانقه وقبل وجهه ومضى.
فقلت لحجاب أبي وغلمانه: ويلكم من هذا الذي (2) فعل به أبي هذا الذي فعل؟ فقالوا: هذارجل من العلوية يقال له: الحسن بن على يعرف بابن الرضا فازددت تعجبا فلم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره وأمر أبي وما رأيت منه حتى كان الليل، وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج من المؤامرت وما يرفعه إلى السلطان فلما نظر وجلس جئت فجلست بين يديه (3) فقال: يا أحمد ألك حاجة؟ قلت:
نعم يا أبه، إن أذنت، سألتك عنها، فقال: قد أذنت لك يا بني فقل ما إحببت فقلت:
يا أبه من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت من الا جلال والاكرام و
_______________
(1) الموفق هو أخو الخليفة المعتمد على الله: أحمد بن المتوكل، وكان صاحب حيشه.
(2) في الكافى: ويلكم من هذا الذى كنيتموه على أبى.
(3) زاد في اعلام الورى: وليس عنده أحد.
===============
( 327 )
التبجيل، وفديته بنفسك وأبويك؟ فقال: يا بني ذلك ابن الرضا، ذاك إمام الرافضة، فسكت ساعة فقال: يا بني لوزالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا، فان هذا يستحقها في فضله، وعفانه وهديه وصيانة نفسه، وزهده، وعبادته، وجميل أخلاقه، وصلاحه، ولو رأيت أباه لرأيت رجلا جليلا نبيلا خيرا فاضلا.
فازددت قلقا وتفكرا وغيظا على أبي مما سمعت منه فيه، ولم يكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره، والبحث عن أمره، فما سألت عنه أحدامن نبي ـ هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عندهم في غاية الاجلال والاعظام، والمحل الرفيع، والقول الجميل، والتقديم له على (1)
أهل بيته ومشايخه وغيرهم، وكل يقول: هو إمام الرافضة، فعظم قدره عندي إذ لم أرله وليا ولا عدوا إلا وهو يحسن القول فيه، والثناء عليه.
فقال له بعض أهل المجلس من الاشعريين: يا بابكر فماحال أخيه جعفر؟
فقال: ومن جعفر فيسأل عن خبره أو يقرن به؟ إن جعفرا معلن بالفسق، ما جن شريب للخمور، أقل من رأيت من الرجال، وأهتكهم لستره بنفسه فدم خمار (2) قليل في نفسه، خفيف.
والله لقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه، وما ظننت أنه يكون.
وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل، فركب من ساعته مبادرا إلى دار الخلافة، ثم رجع مستجعلا ومعه خمسة نفر من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته، فمنهم نحرير (3) وأمرهم بلزوم دار الحسن
_______________
(1) في اعلام الورى: على جميع أهل بيته
(2) سيجئ في بيان المؤلف قدس سره بيان ذلك، وفى المصدر المطبوع هكذا:
فدم حمار " يعنى كنك وأحمق " !
(3) في نسخة اعلام الورى والارشاد: فيهم نحرير، وقد مر أنه كان رائضا للسباع
===============
( 328 )
ابن علي وتعرف خبره وحاله وبعث إلى نفر من المتطببين فأمر هم بالاختلاف إليه، وتعاهده في صباح ومساء.
فلما كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره أنه قد ضعف، فركب حتى بكر إليه ثم أمر المتطببين بلزومه، وبعث إلى قاضي القضاة فأحضرء مجلسه، وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأما نته وورعه فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلا ونهارا.
فلم يزالوا هناك حتى توفي لايام مضت من شهر ربيع الاول من سنة ستين ومائتين فصارت سرمن رأى ضجة واحدة " مات ابن الرضا ".
وبعث السلطان إلى داره من يفتشها ويفتش حجرها، وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده، وجاؤا بنساء يعرفن الحبل، فدخلن على جواريه فنظر إليهن فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حبل، فأمربها فجعلت في حجرة ووكل بها نحريرالخادم وأصحابه، ونسوة معهم (1) ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته، وعطلت الاسواق، وركب أبي وبنوهاشم، والقواد والكتاب وسائر الناس إلى جنازته فكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة.
فلما فرغوا من تهيئته، بعث السلطان إلى أبي عيسى ابن المتوكل، فأمره بالصلاه عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة، دنا أبوعيسى منها فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء والمعدلين، وقال: هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره من خدم أميرالمؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان، ومن القضاة فلان وفلان.
ثم غطى وجهه، وقام فصلى عليه وكبر عليه خمسا وأمر بحمله، وحمل من وسط داره، ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه.
_______________
(1) دخل جعفر بن على على المعتمد وكشف له عن حال ابن أخيه الحجة (عليه السلام) فوجه المتعمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية، وطالبوها بالصبى فأنكرته وادعت بها حملابها
===============
( 329 )
فلما دفن وتفرق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل، والدور، وتوقفوا عن قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليه الحبل ملازمين لها سنتين، وأكثر حتى تبين لهم بطلان الحبل فقسم ميراثه بين امه وأخيه جعفر، وادعت امه وصيته وثبت ذلك عند القاضي، والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده.
فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي وقال له: اجعل لي مرتبة أبي وأخي واوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار، فزبره أبى وأسمعه وقال له: يا أحمق إن السلطان أعزه الله جرد سيفه وسوطه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليرد هم عن ذلك، فلم يقدر عليه، ولم يتهيأله صرفهم عن هذا القول فيهما، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة، فلم يتهيأله ذلك، فان كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماما فلا حاجة بك إلى سلطان يرتبك مراتبهم، ولا غير سلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بها.
واستقله عند ذلك، واستضعفه، وأمر أن يحجب عنه، فلم يأذن له بالدخول عليه حتى مات أبي، وخرجنا والامر على تلك الحال، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي حتى اليوم (1).
2 ـ عم (2) شا: ابن قولويه، عن الكليني (3)، عن الحسن بن محمد الاشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما قالوا: كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج
_______________
لتفظى على حال الصبى، فسلمت إلى ابن أبى الشوارب القاضى، وبغتهم موت عبدالله بن يحيى ابن خاقان فجاءة وخرو ج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم.
(1) كمال الدين ج 1 ص 120 ـ 125
(2) اعلام الورى ص 357 ـ 359.
(3) الكافى ج 1 ص 503 ـ 506.
===============
( 330 )
بقم، وذكر مثله (1).
بيان: " سماط القوم " بالكسر صفهم، والفدم العيي عن الكلام في ثقل ورخاوة وقلة فهم ـ والغليظ الاحمق الجا في (2) و " الزبر " المنع و " أسمعه " أي شتمه.
واقول: ذكر الشيخ في فهر سته في ترجمة أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان " له مجلس يصف فيه أبا محمد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) أخبرنا به ابن أبي جيد عن ابن الوليد، عن عبدالله بن جعفر الحميري قال: حضرت وحضر جماعة من آل سعد بن مالك، وآل طلحة، وجماعة من التجار في شعبان لاحدى عشرة ليلة مضت من سنة ثمان وسبعين ومائتين مجلس أحمد بن عبيدالله بكورة قم فجرى ذكر من كان بسر من رأى من العلوية وآل أبي طالب، فقال: أحمد بن عبيد الله:
ما كان بسر من رأى رجل من العلوية مثل رجل رأيته يوما عند أبي عبيد الله بن يحيى يقال له الحسن بن علي (عليهما السلام) ثم وصفه وساق الحديث " انتهى وقال النجاشي في فهرسته: أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان ذكره أصحابا في المصنفين وأن له كتابا يصف فيه سيدنا أبا محمد لم أر هذا الكتاب (3).
2 ـ ير: الحسن بن علي الزيتوني، عن إبراهيم بن مهزيار وسهل بن الهرمزان، عن محمد بن أبي الزعفران، عن ام أبي محمد (عليه السلام) قالت: قال لي أبومحمد يوما من الايام تصيبني في سنة ستين حزازة أخاف أن أنكب فيها نكبة، فان سلمت منها فالى سنة سبعين، قالت: فأظهرت الجزع، وبكيت فقال: لابد لي من وقوع أمر الله، فلا تجزعي.
_______________
(1) الارشاد ص 318 ـ 320 وبعده: وهو لايجد إلى ذلك سبيلا، وشيعته مقيمون على أنه مات وخلف ولدا يقوم مقامه في الامامة وقدرواه ملخصا في المناقب ج 4 ص 423 وهكذا سائر الكتب.
(2) كل ذلك تفسير للفدم.
(3) رجال النجاشى ص 68.
===============
( 331 )
فلما أن كان أيام صفر أخذها المقيم المقعد، وجعلت تقوم وتقعد، وتخرج في الاحايين إلى الجبل، وتجسس الاخبار حتى ورد عليها، الخبر (1).
بيان: أخذها المقيم المقعده " أي الحزن الذي يقيمها ويقعدها.
3 ـ ك: وجدت مثبتا في بعض الكتب المصنفة في التواريخ ولم أسمعه عن محمد بن الحسين بن عباد أنه قال: مات أبومحمد (عليه السلام) يوم الجمعة مع صلاة الغداة وكان في تلك الليلة قد كتب بيده كتبا كثيرة إلى المدينة وذلك في شهر ربيع الاول لثمان خلون سنة ستين ومائتين للهجرة، ولم يحضره في ذلك الوقت إلا صقيل الجارية، وعقيد الخادم، ومن علم الله غيرهما.
قال عقيد: فدعا بماء قد اغلي بالمصطكي فجئنا به إليه، فقال: أبدأ بالصلاة جيئوني فجئنا به، وبسطنا في حجره المنديل وأخذ من صقيل الماء، فغسل به وجهه وذراعيه مرة مرة ومسح على رأسه وقدميه مسحا وصلى صلاة الصبح على فراشه وأخذ القدح ليشرب فأقبل القدح يضرب ثناياه، ويده ترعد، فأخذت صقيل القدح من يده، ومضى من ساعته صلى الله عليه ودفن في داره بسرمن رأى إلى جانب أبيه (عليه السلام) وصار إلى كرامة الله جل جلاله، وقد كمل عمره تسعا وعشرين سنة.
قال: وقال لي ابن عباد: في هذا الحديث: قدمت ام أبي محمد (عليه السلام) من المدينة واسمها حديث حين اتصل بها الخبر إلى سر من رأى، فكانت لها أقا صيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته إياها بميراثه، وسعايته بها إلى السلطان، وكشف ما أمر الله عزوجل بستره.
وادعت عند ذلك صقيل أنها حامل فحملت إلى دار المعتمد فجعلن نساء المعتمد وخدمه ونساء الموفق وخدمه ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كل وقت، ويراعونه إلى أن دهمهم أمر الصفار (2) وموت عبيد الله ابن يحيى بن خاقان بغتة، وخروجهم عن سر من رأى، وأمر صاحب الزنج
_______________
(1) بصائرالدرجات ص 482.
(2) يعنى يعقوب بن ليث الصفار الذى خرج على العباسية.
===============
( 332 )
بالبصرة وغير ذلك فشغلهم عنها (1).
4 ـ ك: قال أبوالحسن علي بن محمد بن حباب (2): حدثنا أبوالاديان قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وأحمل كتبه إلى الامصار، فدخلت إليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتبا وقال: تمضي بها إلى المدائن فانك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل.
قال أبوالاديان: فقلت: يا سيدي فاذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابك كتبي، فهو القائم بعدي؟ فقلت: زدني، فقال من يصلي علي فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في الهميان فهوالقائم بعدي.
ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان؟ وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي (عليه السلام) فاذا أنابالواعية في داره وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار، والشيعة حوله يعزونه ويهنؤنه.
فقلت في نفسي: إن يكن هذا الامام فقد حالت الامامة، لاني كنت أعرفه بشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شئ ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم للصلاة عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة.
فلما صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي (عليه السلام) على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط بأسنانه تفليج، فجبذ رداء جعفر بن على وقال: تأخر ياعم فأنا أحق بالصلاة
_______________
(1) كمال الدين ج 2 ص 149 ـ 150.
(2) في المصدر المطبوع: خشاب.
في مقدمة هذا الكتاب.